تلعب صحة الأمعاء دورًا حيويا ومهما في تعزيز صحتنا العامة، فهي لا تتعلق فقط بضمان عملية هضم سليمة وراحة معوية، بل ترتبط أيضًا بالحفاظ على جدار أمعاء متماسك وقوي، إلى جانب المحافظة على توازن البيئة الميكروبية فيها. هذا التوازن يؤثر بشكل كبير على أداء الأمعاء وصحتها، مما ينعكس على صحة الجسم بأكمله.
إن صحة الأمعاء الجيدة لا تقتصر على تجنب مشكلات الجهاز الهضمي مثل الانتفاخ، الإسهال، أو الإمساك، بل تتجاوز ذلك لتؤثر على وظائف الجسم الأخرى، ولا سيما جهاز المناعة. نظرًا لوجود ما يقارب 80% من جهاز المناعة في الأمعاء، فإن أي خلل في صحة الأمعاء قد يؤدي إلى اضطرابات مناعية، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية على الصحة العامة.
لذلك، من الضروري الحفاظ على صحة أمعائنا من خلال اتباع ممارسات يومية صحية، والابتعاد عن العادات الخاطئة والمدمرة لصحة الأمعاء والقولون. في هذا السياق، سنستعرض أهم عشر عادات وسلوكيات يومية قد تعرض صحة أمعائنا للخطر على المدى القصير والطويل، وكيف يمكن تفاديها للحفاظ على توازن صحة الجهاز الهضمي.
اليك العشر عادات الصحية الخاطئة المدمرة للقولون:
الاستهلاك المزمن لخل التفاح:
الاستخدام المفرط والمستمر لخل التفاح العضوي أو أي نوع آخر من الخل مدى الحياة قد يؤدي إلى مشاكل في الجهاز الهضمي مثل التقرحات والالتهابات، وقد يؤثر أيضًا على صحة الأسنان. رغم أن خل التفاح يمتلك فوائد عديدة وسحرية مثل تحسين عملية الهضم، والتخفيف من النفخة والغازات، والمساعدة في علاج مقاومة الإنسولين، والكوليسترول، والدهون الثلاثية، إلا أنه يجب استخدامه بحذر واعتدال.
الطريقة المثلى لاستخدام خل التفاح هي تناوله لمدة خمسة أيام فقط كل شهر أو شهرين، لضمان تعزيز حمض المعدة وتحسين الهضم دون التسبب في أضرار. في برامج الدكتورة فجر الجميري العلاجية، يتم تحديد فترة زمنية محددة لاستخدام خل التفاح تتراوح بين عشرة أيام إلى أسبوعين كحد أقصى. بعد هذه الفترة، يُنصح باستخدامه على فترات متباعدة وبشكل منتظم للحفاظ على فوائده الصحية دون الإفراط في تناوله.
حمية الكيتو دايت المطولة:
اتباع حمية الكيتو بشكل مزمن ومطول قد يكون له تأثيرات سلبية على صحة الجهاز الهضمي والجسم بشكل عام، رغم انتشارها وشهرتها كوسيلة سريعة لخسارة الوزن. هذه الحمية، التي تعتمد بشكل كبير على البروتينات والدهون وتقلل من استهلاك الخضروات والفواكه والنشويات الصحية، قد تكون فعالة لفترات قصيرة مثل شهر أو شهرين. ولكن اعتمادها كأسلوب حياة طويل الأمد قد يسبب مشاكل صحية متعددة.
أولا، الكلى قد تتضرر نتيجة الإفراط في تناول البروتينات، وهو أمر شائع في حمية الكيتو.
ثانيا، نقص الفواكه والخضروات النشوية في هذه الحمية قد يؤدي إلى هبوط في مستويات السكر في الدم، ما يسبب الدوخة والتعب الشديد، وقد يصل الأمر إلى الإغماء.
ثالثاً، نظراً لأن حمية الكيتو تعتمد بشكل كبير على الدهون، فإن اتباعها لفترات طويلة قد يؤدي إلى أضرار صحية على مستوى الشرايين، كما يمكن أن ترفع من مستويات الكوليسترول والبروتين منخفض الكثافة أو الكوليسترول الضار(LDL).
يعتمد الكثير من الأشخاص على البروتينات والدهون بشكل مفرط عند اتباع حمية الكيتو، ويتجاهلون تناول الخضروات، مما يقلل من استهلاك الألياف والبريبايوتيك. رغم أن حمية الكيتو تشمل في الأصل كميات كبيرة من الخضروات غير النشوية، إلا أن معظم الناس لا يستهلكونها بشكل صحيح.
أحد أهم سلبيات اتباع حمية الكيتو لفترات طويلة هو انخفاض الألياف الضرورية لنمو البكتيريا النافعة، خاصة الإينولين الموجود في القمح (مثل خبز القمح المخمر أو العضوي)، والبصل، والموز، والثوم، والكراث. هذه الألياف تعمل كبريبايوتيك، تغذي البكتيريا النافعة مثل Bifidobacteria التي تدعم الهضم، المناعة، وإنتاج فيتامينات ب.
ومع ذلك، حمية الكيتو غالبًا ما تفتقر إلى الألياف البريبايوتيكية بسبب تقليل تناول الكربوهيدرات مثل الحبوب الكاملة والفواكه، مما يؤدي إلى “تجويع” البكتيريا النافعة ويضر بالصحة مع مرور الوقت.
من المهم أن يتجنب الأشخاص الذين يعانون من حساسية الغلوتين القمح، والشعير، والجاودار بسبب محتواها من الغلوتين.
باختصار، حمية الكيتو قد تكون مفيدة على المدى القصير، ولكن اعتمادها لفترة طويلة دون توازن قد يؤدي إلى مشاكل صحية على مستوى الجهاز الهضمي والجسم كله.
كورس ديتوكس العصائر:
تعتبر كورسات ديتوكس العصائر، التي يروج لها الكثير من أخصائيي التغذية والمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، ضارة لصحة الجسم والجهاز الهضمي. فهي تعتمد على استهلاك العصائر فقط، لمدة أسبوع أو أسبوعين، مثل عصير الجزر، البرتقال، والعصائر الخضراء، ولكن الجسم لا يمكنه الاعتماد على هذه العصائر وحدها.
أولاً، تحتوي هذه العصائر على كميات كبيرة من السكر، حتى وإن كان طبيعيًا، مما قد يغذي البكتيريا الضارة والفطريات مثل الكانديدا. هذا الأمر قد لا يساعد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل مثل السيبو أو القولون العصبي. ثانيًا، هذه الحمية تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية مثل الدهون الصحية، البروتينات، والألياف، وفيها حرمان شديد، مما يؤثر سلبًا على صحة الجسم بشكل عام.
لذا، من الأفضل استخدام عصائر الديتوكس، مثل العصير الأخضر أو عصير الشمندر، بكميات محددة كجزء من نظام غذائي متوازن وصحي، بدلاً من الاعتماد عليها بشكل كامل.
الاستخدام الخاطئ للبروبايوتيك:
تُعتبر استخدام البروبيوتيك، أو البكتيريا النافعة، بشكل خاطئ من الأمور التي قد تؤثر سلبًا على صحة الجهاز الهضمي. كثير من الناس يشتكون من الشعور بالمغص أو النفخة أو الغازات عند استخدام هذه المكملات. يجب أن نتذكر أن اختيار الجرعة المناسبة ونوع البكتيريا المناسبة أمر بالغ الأهمية.
بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من السيبو أو القولون العصبي، يجب عليهم الحذر عند استخدام البروبيوتيك في المراحل الأولى من العلاج. فهذا النوع من المرضى غالبًا ما يكون جهازهم الهضمي مملوءًا بالبكتيريا الضارة، وعندما تدخل البكتيريا النافعة، قد يحدث صراع بينها وبين البكتيريا الضارة، مما يزيد من الانتفاخ والغازات.
أيضًا، يجب الانتباه إلى الجرعة. الجرعة القصوى المناسبة عادةً تتراوح بين 40 إلى 50 مليار وحدة من البكتيريا النافعة. لكن هناك من يتناول جرعات تصل إلى 100 مليار أو أكثر، وهذا يمكن أن يؤثر على التوازن الطبيعي للبكتيريا في الجهاز الهضمي. لذا، من المهم استشارة متخصص قبل البدء في استخدام البروبيوتيك.
استخدام المنتجات الجاهزة الخالية من الغلوتين:
من العادات التي قد تضر بصحة جهازك الهضمي، رغم اعتقادك بأنها صحية، هي الإفراط في استهلاك المنتجات الخالية من الجلوتين، مثل الخبز والمعكرونة الخالية من الجلوتين. غالبًا ما تكون هذه المنتجات مصنوعة من مكونات قمحية تم إزالة الجلوتين منها، ولكنها تحتوي على الكثير من المواد الكيميائية الحافظة، والمنكهات الصناعية.
إذا كنت تتبع حمية خالية من الجلوتين، من الأفضل أن تختار الأطعمة التي بطبيعتها خالية من الغلوتين مثل البطاطا، الأرز، أو الكينوا والدخن. كما يمكنك تحضير الخبز الخالي من الجلوتين في المنزل باستخدام طحين اللوز أو طحين جوز الهند، بدلاً من الاعتماد على المنتجات الجاهزة. هذا سيساعدك في الحفاظ على صحة جهازك الهضمي.
الاستخدام المزمن للسنامكي:
من العادات التي يعتمد عليها الكثيرون لعلاج الإمساك هي استخدام السنامكي كملين طبيعي. ورغم أنه لا ضرر في استخدامه بين الحين والآخر، فإن الاستخدام المنتظم والمستمر له يمكن أن يجعل القولون يعتمد عليه بشكل مفرط. مع الوقت، قد تتوقف عضلات القولون عن العمل بشكل طبيعي وتصبح معتمدة بالكامل على هذه الملينات، مما يؤدي إلى الإمساك المزمن.
لذا، من الأفضل اتباع نظام غذائي غني بالألياف وشرب كمية كافية من الماء. إذا كنت بحاجة للتوقف عن استخدام الملينات، من المهم القيام بذلك بشكل تدريجي على مدى أسبوع أو أسبوعين. التوقف المفاجئ قد يؤدي إلى كسل شديد في عضلات القولون، وبالتالي إلى إمساك حاد.
الاستهلاك المفرط للمحليات الصناعية:
من العادات التي قد تضر بصحة الأمعاء هي الاستهلاك الخاطئ للمحليات الصناعية. يلجأ العديد من الأشخاص الذين يتبعون حميات صحية أو يعانون من مقاومة الإنسولين أو السكري إلى استخدام محليات صناعية مثل الأسبارتام أو السكرين. وقد أظهرت الدراسات أن هذه المحليات تحتوي على نسب عالية من الكلورين، مما يؤدي إلى قتل البكتيريا النافعة في الأمعاء. وفي بعض الحالات، قد تكون هذه المحليات مسرطنة.
للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي، من الأفضل استبدال هذه المحليات ببدائل طبيعية مثل سكر جوز الهند أو دبس التمر، لكن يجب استخدامها باعتدال. كما يمكن استخدام محليات طبيعية أقل ضررًا مثل سكر شجرة الراهب أو الاستيفيا العضوي، ولكن بكميات معتدلة أيضًا.
شرب المياه الغازية:
على الرغم من أن المياه الغازية تعرف غالبا كبديل صحي للمشروبات والعصائر الغنية بالسكر، إلا أن محتواها العالي من ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يؤدي إلى الانتفاخ والانزعاج. الخيار الأفضل هو شرب المياه العادية، ولكن من المهم تجنب شرب المياه وخاصة بكميات كبيرة منها خلال الوجبات، حيث يمكن أن تسبب مشاكل هضمية مثل حرقة المعدة. من الأفضل عمومًا شرب الماء بعد الوجبات. لا ضرر من الاستمتاع بالمياه الغازية مرة أو مرتين في الأسبوع باعتدال.
تناول الخبز الأسمر:
من العادات التي قد تضر بالجهاز الهضمي والجسم بشكل عام هي تناول الخبز الأسمر أو البني بكثرة، حيث يعتقد البعض أنه بديل صحي، لكن في الواقع يتحول هذا الخبز في الجسم إلى سكريات وجلوكوز، مما يرفع مستويات الإنسولين في الدم بشكل مشابه للخبز الأبيض. نسبة الألياف فيه قليلة، ولا يقدّم فائدة كبيرة كما يُعتقد. من الأفضل تناول خبز الكيتو الذي لا يرفع السكر، أو خبز الخميرة الطبيعية المخمر لفترة طويلة (12 ساعة)، حيث تساعد عملية التخمير المطولة على تقليل النشويات والجلوتين، مما يجعله خيارًا أفضل للجسم وللحفاظ على مستويات الإنسولين.
استهلاك حليب الشوفان:
الاعتماد على حليب الشوفان كبديل عن الحليب البقري يُعتبر من أسوأ الخيارات بين الحليب النباتي. الشوفان هو مصدر غني بالنشويات، وعند تحويله إلى حليب، يصبح مليئًا بالنشويات والسكر. إذا كنت تشرب حليب الشوفان معتقدًا أنه خيار صحي، فأنت مخطئ، لأن هذه النشويات والسكريات قد تغذي البكتيريا الضارة في الأمعاء، مما يزيد من الانتفاخ والغازات، ويرفع مستويات الإنسولين، وقد يؤدي إلى زيادة الوزن ومشاكل مثل مرحلة ما قبل السكري. الخيار الأفضل هو اختيار حليب المكسرات مثل حليب اللوز، الجوز، أو البذور، أو الحليب الحيواني مثل حليب الماعز، حليب الإبل، أو الحليب العضوي من الأبقار التي تتغذى على الأعشاب الطبيعية.
باختصار، يمكننا القول إن تبني عادات صحية بشكل مستدام ومتوازن هو المفتاح للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي. لا يعني ذلك التخلي عن كل ما هو شائع أو يروج له كصحي، ولكن يجب الحذر من الاستخدام المفرط والمزمن لبعض الأطعمة أو العلاجات الطبيعية. من الضروري الاستماع إلى الجسم ومعرفة احتياجاته الحقيقية، واتباع نمط حياة يعتمد على التنوع والاعتدال.
لمعرفة المزيد عن العادات الخاطئة المدمرة للقولون، يرجى الرجوع إلى قناة د. فجر الجميري على اليوتيوب ومشاهدة هذه الحلقة: